الزنبقة السوداء
في الوقت الذي وضعت فیه مدن أخرى، بریق تألقها في الترسانات العسكریة، والساحات والمتاجر والبازارات، وضعت هارلم كلّ مجدها في غرس أشجار الدردار الكثیفة الجمیلة وأشجار الحور النحیلة، وفي منتزهاتها الظلیلة التي ترتفع فيها أشجار السندیان والزیزفون والكستناء.
وعندما لاحظت هارلم أن لیدن جارتها، تركز اهتمامها على أن تصبح مدینة للعلوم، وأن أمستردام، ستكون مدینة تجاریة، اختارت هارلم أن تكون مدینة للورود، وخاصة الزنابق.
بظلالها الكثيرة ورياحها البحرية الممتازة وسهولها المشمسة، وفّرت المدینة للبستانیین إمكانات لا یمكن أن تقدمها لهم مدینة أخرى. وبدل تلك العقول القلقة والمضطربة في روتردام وأمستردام، التي یستحوذ علیها حب السفر والتجارة، نرى في هارلم تلك العقول الهادئة، التي نشأت على حب الأرض والعمل فيها.
هكذا نزعت هارلم صوب الأشیاء الجميلة اللطيفة والموسیقى والرسم والبساتین وأحواض الأزهار. فأضحت مجنونة بالأزهار، وخاصةً أزهار الزنبق. لهذا نظمت رابطة هارلم للبستنة مسابقة سيحصل فيها مكتشف الزنبقة السوداء على مئة ألف فلورين.
كورنيليوس ڤان بيريل، الذي يحب الأزهار، كان متحمسًا لهذه المنافسة... وبحماسة وجهد وأناة، عمل على كشف السر العظيم للزنبقة الذي كان یُعتقد حتى ذلك الوقت أن اكتشافه مستحيل. وبعد مشقة كبيرة، أنبتَ زنبقة سوداء لا مثيل لها. لكن جاره، الخيميائي إسحاق بوكستيل، حاول، بأنانيته وحقده وحسده، أن يستولي على الزنبقة ويبدّد كل أحلامه وأحلام حبيبته روزا التي بنياها على المبلغ الكبير المخصّص لهذه الجائزة.