الان والغد
الثّقافة فعلٌ فكريٌّ ذو اتّجاهين؛ الأوّل يأخذ بالمثقّف إلى اطّلاع واع وغير محدود، والثّاني ينحو به نحو صنع رؤى ثقافيّة يطلع الآخرين عليها بلا حدود أيضا. قد يختلف القارئ مع رؤية «سلامة موسى» لليوم والغد، وقد يتّفق معه تماما كما هو حال مؤيّديه الّذين وجدوا فيه مفكّرا تنويريّا متحرّرا من قيود الشّرق والموروث الثّقافيّ العربيّ على وجه التّحديد، ومنفتحا في المقابل على أوروبا ومفردات الحضارة الغربيّة الحديثة، وقيمها الأخلاقيّة والمادّيّة الأكثر رقيّا — في نظره — مقارنة بنظائرها في الشّرق. وهذه هي الملامح الأساسيّة لرسالة «موسى» الّتي وجّهها إلى قرّائه من خلال موضوعات متعدّدة ضمّها هذا الكتاب الّذي نشر لأوّل مرّة عام ١٩٢٨م، وهي الرّسالة الّتي باتت كذلك مستندا ضدّه، يرجع إليها معارضو توجّهاته الفكريّة والاجتماعيّة، عادّين إيّاه قطبا من أقطاب التّغريب السّلبي.